سورة الروم - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الروم)


        


{الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ (7)} [الرّوم: 30/ 1- 7].
سبب النزول: ما أخرجه التّرمذي عن أبي سعيد الخدري قال: لما كان يوم بدر، ظهرت الروم على فارس، فأعجب ذلك المؤمنين، فنزلت {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2)}. وقد كان الفرس هم الغالبين للرومان في بدء الأمر، على مشارف الشام مما يلي بلاد العرب، ففرح بذلك مشركو العرب إذ قالوا: إن الفرس لا كتاب لهم مثلنا، والرّومان لهم كتاب مثلكم، لأنهم نصارى، ولننتصرن عليكم كما انتصر الفرس.
وتراهن أبو بكر مع المشركين على انتصار الروم، في مدة بسيطة، فقال له النّبي صلّى اللّه عليه وسلم: «زد في الرّهان ومدّ الأجل»، ففعل، فانتصر الروم في أثناء الأجل، بعد خمس سنوات، كما تقدّم، وأخذ أبو بكر الجعل وتصدّق به.
والمعنى: الم: هذه حروف مقطعة للتنبيه على ما يأتي بعدها، ولتحدّي العرب بمجاراة القرآن ومعارضته، مع أنهم فصحاء العرب، وكلامهم مكوّن من هذه الحروف التي تتركّب بها الكلمة العربيّة أو الكلام العربي الذي ينطقون به.
لقد غلبت الفرس الرّوم في أقرب أرض الرّوم إلى بلاد العرب، في أعلى مشارف بلاد الشام، في الجزيرة: وهو موضع بين العراق والشام، فسرّ المشركون الكفرة، وأدنى الأرض: أقرب الأرض، فإن كانت الوقعة بأذرعات بحسب قول عكرمة فهي من أدنى الأرض بالنسبة إلى مكّة، وإن كانت الوقعة بالجزيرة بحسب قول مجاهد، فهي أدنى الأرض بالنسبة إلى أرض كسرى الفرس. فبشّر الله تعالى عباده المؤمنين بأن الروم سيغلبون في بضع سنين، والبضع: من الثلاث إلى التّسع من السنوات، وذلك من تاريخ الموقعة الأولى. وهذا إخبار عن أمر غيبي في المستقبل، أيّده الواقع، ولله الأمر كله من قبل الغلبة ومن بعدها، فيحقق الله الغلبة لفئة على أخرى، ثم يحدث العكس، بأمر الله وإرادته وقدره وقدرته، خلافا للموازين العسكرية البشرية، فقد يتغلب الضعيف أو القليل على القوي والكثير، بإذن الله ومراده، كما قال سبحانه: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 2/ 249]. وقوله تعالى: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} إخبار بانفراد الله بالقدرة.
ويوم ينتصر الرّوم النّصارى على الفرس الوثنيين، يفرح المؤمنون بنصر الله أهل الدين والإيمان، على من لا دين له ولا كتاب من السماء.
ينصر الله من يريد على الأعداء، لأنه الفعّال لما يريد، والحكيم في إرادته، والقويّ الذي لا يغلب، المنتقم من أعدائه، الرّحيم بعباده المؤمنين.
ذلك وعد حقّ من الله تعالى، وخبر صدق واقع، والله لا يخلف الميعاد، ولا بدّ من وقوعه، لأن في سنّة الله تعالى أن ينصر أقرب الفريقين المتقاتلين إلى الحق، إلّا أن يكون ذلك محنة وابتلاء لفئة بفئة، ولكن أكثر الناس لا يعلمون بحكم الله وأفعاله القائمة على العدل والحكمة، لجهلهم بالسّنن الجارية في الكون، كما قال الله تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً} [الأحزاب: {33/ 38] سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 33/ 62].
وعلم الناس، وبخاصة الكفرة الذين لا يعلمون أمر الله وصدق وعده: علم ظاهري بأحوال الدنيا وعلومها المادّية، كتدبير: شؤون المعيشة، واكتساب الأموال من مصادر الثروة المتعددة، من زراعة أو صناعة أو تجارة، أو مهنة حرة أو خدمة ونحوها. وهم مشغولون بعلومهم هذه، لا ينظرون إلى المستقبل، وهم في غفلة تامة أو شبه تامة عن شؤون الآخرة، وما فيها من خوالد الأشياء، ودوام المصير.
هذا الخبر الغيبي له مغزاه وهدفه في تاريخ الدعوة الإسلامية، فلقد ترجّى النّبي صلّى اللّه عليه وسلم ظهور دينه وانتشار دعوته، وامتداد تطبيق شريعة الله عزّ وجلّ التي أرسله الله بها، وتغلّبه على الأمم والشعوب التي تدين بدين غير سماوي، وتبدّد آمال كفار مكّة بأن يرمي الله نبيّه بملك يستأصل وجوده، ويريحهم منه، ولكن خسر هنالك المبطلون.
فريضة التّفكّر في مخلوقات الله تعالى:
لقد أحال القرآن الكريم في إثبات عقيدة الإيمان بوجود الله ووحدانيته على مشاهد حسّيّة ملموسة، وهي المخلوقات السماوية والأرضية، فهي ترشد إلى الموجد الخالق، بسبب بدء تكوينها وانتهائها بعد أجل محدد في علم الله تعالى، كما أحال إلى التأمّل في مصارع الأقوام الغابرين الذين كانوا أشدّ قوة وأكثر أموالا وأولادا، لكنهم حينما أعرضوا عن آيات الله البيّنة، أهلكهم الله في الدنيا ودمّرهم، لا بظلم من أحد، وإنما بسبب ظلمهم أنفسهم، ثم كانت عاقبتهم أسوأ العقوبة، وهي جهنم بسبب التكذيب بآيات الله تعالى والاستهزاء بها. هذا ما وصفه القرآن المجيد في إيراد الأدلة والبراهين الحسّية على وجود الله وتوحيده شريطة التأمّل والتفكّر فيها، قال الله تعالى:


{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (8) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (10)} [الرّوم: 30/ 30/ 8- 10].
هذه حملة مركزة لإعمال المشركين وغيرهم أفكارهم وعقولهم، للتوصّل في نتيجة التفكير والنظر والتأمّل، لإثبات وجود الله وتوحيده، أفلا يتفكرون في أنفسهم أو ذواتهم أن ما أوجده الله تعالى من مخلوقات في السماوات والأرض وما بينهما وما فيهما، لم يوجده إلّا بالحقّ الثابت، الملازم للحكمة، ولأجل محدد، لابد من الانتهاء إليه، وهو قيام القيامة، فإذا حلّ الأجل، تبدّلت معالم الأرض والسماء، ولكن أكثر الناس، وبخاصة الكفار، هم جاحدون لقاء الله تعالى، منكرون وجود البعث والحساب، لأنهم لم يتفكروا في ذواتهم وحواسّهم، ليستدلّوا بذلك على الخالق المبدع.
المراد من هذه الآية: وصف الكافرين المشركين بالغفلة والإعراض عن أمر الآخرة، ثم توبيخهم على أنهم قد فكّروا تفكيرا مغلوطا أو خطأ، فلم ينفعهم الفكر والنظر، لأنه لم يكن على سداد وصواب.
وقوله تعالى: {إِلَّا بِالْحَقِّ} يراد به بسبب المنافع التي هي حق وواجب، تدلّ على وجود الله وعبادته وحده على الدوام، والإعتبار بمنافع الأرزاق وغيرها. ثم أخبر الله تعالى عن كفر أكثر الناس بالبعث والنشور المعبّر عنه بلقاء الله تبارك وتعالى، لأن لقاء الله تعالى هو أعظم الأمور، وفيه النجاة أو الهلاك.
ثم وبّخ الله تعالى المشركين توبيخا آخر، وهو أنهم ساروا ونظروا في عواقب الأمم المتقدمة، ولكن ذلك لم ينفعهم، حتى لم يعملوا بحسب العبرة وخوف العاقبة.
إن هؤلاء الجاحدين عطلوا ثمرة النظر والفكر، أفلم يتنقلوا في الأرض، فينظروا بعقولهم وأفهامهم، ويتأمّلوا بأخبار الماضين، كانوا أشد قوة من أهل مكة ونحوهم، وكانوا أكثر تحضّرا وتمدّنا، حيث حرثوا الأرض وزرعوها، وغرسوا فيها الأشجار، أكثر مما فعله المكّيون، وسائر العرب عند نزول الوحي، وجاءتهم الآيات الدّالة على وجود الله وتوحيده، فأعرضوا عنها، فأهلكهم الله بذنوبهم وكفرهم وتكذيبهم رسلهم، الذين أرسلهم الله تعالى إليهم، فلم يكن عقابهم جورا ولا ظلما، ولكن كانوا هم الظالمين أنفسهم، بسبب تكذيبهم بآيات الله تعالى.
وهناك عقاب أشدّ من عقابهم الدنيوي، فلقد كان مصير المسيئين أسوأ مصير، وعقابهم أسوأ عقاب، وهو الخلود في نيران جهنّم، بسبب تكذيبهم بآيات الله تعالى ودلائله الدّالة على وجوده ووحدانيته، وبسبب استهزائهم وسخريتهم منها. فقوله تعالى: {أَساؤُا السُّواى} أي كان عاقبة الذين كفروا هي النار، والتكذيب بآيات الله تعالى لا مجرد الاستهزاء بها، فلذلك عدّد الله تعالى عليهم الفعلين.
إن تعطيل ثمار التفكير الصحيح منشؤه الخلود إلى الكفر والضلال، لأن من أصمّ سمعه، وأعمى بصره، بسبب ملازمته منهج الكفر وتقليد الآباء والأجداد، يصعب عليه ترك ما ألف وهجر ما اعتاد.
وإن إهمال الإعتبار بأحداث الماضين، الذين تعرّضوا لعذاب الاستئصال، مع شدّتهم وقوتهم في السّلم والإعمار، والحرب والدّمار، يعدّ نكسة شديدة في تاريخ الفكر الإنساني.
والعاقل من اتّعظ، والمفكّر من اعتبر، وفائدة العظة والعبرة تكمن في سلوك أهل البصيرة وأصحاب الرأي الحرّ المنعتق من رواسب التقليد، ومحاكاة الآخرين من غير حجة ولا برهان.
إثبات المعاد ومخاوفه:
الإيمان باليوم الآخر من أصول الإعتقاد في الإسلام، بل هو ضرورة لازمة لإنصاف الخلائق، وإحقاق الحقّ، وإبطال الباطل، لذا أخبر الله تعالى إخبارا عامّا مطلقا لجميع العالم بالحشر والبعث من القبور، وأكّد سبحانه على أنه هو الذي يبدأ الخلق ويوجده، ثم يحييه ويعيده إليه، وفي ذلك اليوم يفرح المؤمنون بما أعدّه الله لهم من جنّات النعيم، وييأس الكافرون والمجرمون من انقطاع حجّتهم، وإصابتهم بالإحباط وفقد الأمل بالنّجاة، ولا مفرّ من هذا المصير، ولا أمل في الإنقاذ، وإنما الناس حينئذ فريقان: فريق في الجنة، وفريق في السعير.
قال الله تعالى مبيّنا أحوال القيامة والناس فيها:


{اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (13) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (16)} [الرّوم: 30/ 30/ 11- 16].
هذه حقيقة العالم في البدء والنهاية، فالله هو المبدئ وهو المعيد، فكما هو قادر على بدء الخلق وإنشائه، هو قادر على إعادته، وإرجاعه، فجميع المخلوقات يعودون إلى الله يوم القيامة، ويبعثون من القبور.
وفي يوم القيامة: ييأس المجرمون من الاهتداء إلى الحجة النافعة لهم، بسبب شدة الأهوال، وعقم الوصول إلى المسوّغات المقبولة، والأعذار المرضية.
ولن يجد المشركون لهم شفعاء من الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله، وكانوا بشركائهم وآلهتهم المزعومة جاحدين، متبرئين منهم، فإنهم لن يسعفوهم في وقت الحاجة إليهم، كما جاء في آية أخرى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (166) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)} [البقرة: 2/ 166- 167]. وهذا كله دليل الإفلاس والخسران.
ثم أخبر الله تعالى عن انقسام أهل المحشر قسمين:
ويوم تقوم القيامة يتفرق الناس فرقة لا اجتماع بعدها، فيؤخذ أهل الإيمان والسعادة إلى الجنان، ويؤخذ أهل الكفر والشقاوة إلى النيران، إنهم يتفرقون في المنازل والأحكام والجزاء.
فأما المؤمنون المصدّقون بالله ورسوله واليوم الآخر، والعاملون العمل الصالح الذي يرضي الله، والمجتنبون كل ما نهى الله عنه، فهم أهل السرور والحبور، والبهجة والمتعة، إنهم يتمتعون بأكمل أوصاف النعيم، ويتقلّبون في أعطاف النعمة والمسرّة، كما قال الله تعالى في آية أخرى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السّجدة: 32/ 17]. وقوله تعالى: {فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} أي في جنّة ينعّمون ويسرّون.
والروضة: أحسن ما يعلم من بقاع الأرض، وهي حيث يكثر النّبت الأخضر.
وأما أهل الكفر والجحود بوجود الله وتوحيده، المكذّبون رسله وآياته، المنكرون وقوع المعاد أو البعث بعد الموت، فهم خالدون مخلّدون في عذاب الله في النار، لا يغيبون عن الله أبدا، ولا يفترون عنه مطلقا، كما جاء في آية أخرى: {كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها} [الحجّ: 22/ 22].
إن يوم القيامة يوم الانقطاع بين عالم الدنيا وعالم الآخرة، وهو يوم الانفصال التامّ بين أهل الإيمان وأصحاب الكفر، إنه يوم لا رجعة فيه إلى الدنيا، ولا أمل بلقاء واقع بين المؤمنين والكفار. إن أهل الإيمان المتميزين بصالح الأعمال: وهو الائتمار بأمر الله، واجتناب نواهيه، يتنعّمون في رياض الجنة، وينظرون إلى وجه الله الكريم، وأما أهل الشّقاوة والكفر والجحود، المكذّبون بآيات الله البيّنة، والمنكرون لوجود القيامة، فهم في العذاب جاثمون محضرون، أي مدخلون إلى النار، لا يغيبون عن العذاب، ولا يخفف عنهم شيء من عذاب جهنم.
إن هذا الانقسام إلى فريقين في عالم الآخرة، لهو واضح التأثير، فالعاقل المدرك لمصيره، المقدر لمخاطر مستقبله، يبادر إلى الإيمان، ويعمل لما بعد الدنيا، مما ينجيه بين يدي الله، بإيمان صحيح، وعمل صالح خالص من الشوائب، متمحض لله تعالى.
أوقات الأذكار والعبادة:
تحقيقا للصّلة الدائمة بالله تعالى، وإدامة لرقابة الله عزّ وجلّ في السّر والعلن، وضع الحقّ تعالى نظاما متكرّرا منضبطا للتسبيح والتحميد والعبادة، وحضّ على الصلاة في أوقات معينة، وأزمان متكررة، وما أبدع وما أجمل نظام الإسلام بالتذكير بالعبادة عن طريق الأذان الشرعي، الذي هو دعوة دائمة للإيمان والإسلام، بإعلان الشهادتين، والحثّ على أداء الصلاة وتحقيق الفلاح، وإدراك مغزى العبادة، والإيقان بعظمة الله، وأنه أكبر شيء في هذا الوجود. واستحضار عظمة الله، وإحاطة علمه وقدرته، فهو مبعث الهيبة والوقار، والمبادرة إلى الامتثال، والاستقامة وتحقيق المنال، قال الله تعالى آمرا بالعبادة، حاضّا على الصلاة في أوقات معينة، لأن الإيمان تنزيه بالجنان، وتوحيد باللسان، وعمل صالح يشمل جميع الأركان:

1 | 2 | 3 | 4 | 5